September 20, 2018
إن علمتم هذا
إِنْ عَلِمْتُمْ هَذَا فَطُوبَاكُمْ إِنْ عَمِلْتُمُوهُ (يوحنا 17:13).
من البديهي أنه يتوجّب على الذين يعلِّمون ويعظون بالإيمان المسيحي، أن يمارسوا ما يعظون به بأمانة بالغة. السبب، هو أنه يقع على عاتقهم مهمّة أن يقدّموا للعالم مثالاً حياً عن الحق لأن مشيئة ﷲ في كلمته يجب أن تصير جسداً في حياة شعبه.
عادةً يتأثّر هذا العالم الراحل (بكل ما فيه) بالأعمال أكثر من تأثّره بالكلام.. على قول المثل: حياتك صارخة إلاّ أنني لا أستطيع أن أسمع ما تقول!.
أخبروا يوماً عن أحد المبشّرين أنه عندما كان يعظ كان الناس يتمنّون أن لا يغادر المنبر، لكن عندما كان بعيداً عن المنبر تمنّوا لو أنه لم يرتقِ إليه قط…
نعم أيها القارئ العزيز.. لا شيء يُقفل الشفاه كنمط الحياة. حياة الإنسان هي مشروع رسالة سماوية كاملة، لأن الحياة المقدسة هي أفضل وسيلة للشهادة عن ﷲ في عالم الواقع. تحمل الكلمات ثِقلاً عندما تكون مدعومة من حياة الشخص، فيصير الكلمة جسداً فينا قبل أن يصير قوة من خلالنا. إذن إن نحن وعظنا بالأمر الصحيح ولم نحيا به، نصير كمَن يُخبر الأكاذيب عن ﷲ.
طبعاً نحن نعلم أن ملء الكمال وُجد فقط في (الرَّب يسوع المسيح)، هو الكامل وحده في عمل كل ما وعظ وعلّم به. لم يوجد أي تناقض بين رسالته وبين حياته. عندما سأله اليهود، من أنت؟ أجابهم قائلاً، أَنَا مِنَ الْبَدْءِ مَا أُكَلِّمُكُمْ أَيْضاً بِهِ (يوحنا 25:8). كانت سيرته مطابِقة لكلامه.. ببساطة هكذا يكون التعليم والمعلمون.. عليهم الاقتداء بسيّدهم، أو على الأقل يتشبّهون به قدر المُستطاع بما أنّهم ما برحوا يرزحون تحت عبء ثوب بشريتهم الضعيف.
في نفس السياق وضمن التعاليم أذكر ما يلي:
نسمع أصوات أنبياء العهد القديم ضد الناس الذين مارسوا كل الطقوس الصحيحة ومع هذا خَدعوا وظلموا أقرباءهم، فقال لهم أشعيا النبي: أن ﷲ قد كره محرقاتهم وأعيادهم طالما ظلّوا يظلمون المساكين واليتامى والأرامل (أشعيا 10:1-17)، وأكمل كلامه لهم، أن رغبة ﷲ الثابتة تتمثَّل في معاملة عُمّالهم بعدل، وإطعام الجائع وكِساء الفقير (أشعياء 6:58، 7)، وما لم تكن حياتهم مستقيمة فكأنهم يقدمون رأس كلب أو دم خنزير (أشعيا 3:66). يعني المسؤول مُطالب بالاستقامة ومن الله مباشرةً.
هذا وطلب عاموس من الشعب أن يتوقّفوا عن ممارسة شعائرهم الدينية لأن ﷲ مستمرٌ بكراهيته لهذه الطقوس حتى يتدفَّق العدل والرحمة مثل سَيلٍ عظيم (عاموس 21:5-24). أيضاً حذّر ميخا من أن ﷲ يريد الحق أكثر من الطقوس، حقّ الإنصاف والعدل والرحمة والتواضع (ميخا 6:6-8).
لقد سَخِرَ الرَّب يسوع من الفريّسيين في أيامه لأنهم تظاهروا بالتديّن بصلوات طويلة بينما طردوا الأرامل من منازلهم (متى 14:23)، فكانوا يحرصون على إعطاء ﷲ عشراً من نعناع بستانهم، لكن هذا لا يمكنه أبداً أن يحلَّ محل عمل العدل والإيمان (متى 23:23)، فمن غير المُجدي بالنسبة لنا أن نأتي بتقدماتنا للرَّب إذا كان لأخينا شكوى علينا (متى 24:5)، لأن التقدمة تُقبل فقط بعد إصلاح السوء. (إذهب وصالح أخاك ثم عُد وقرّب قربانك) متى 4 العدد 24. وهل هناك من يعتقد أن حضور الكنيسة بانتظام يكفيه لأن يخدُم كغطاء لعدم أمانته في شغله خلال الأسبوع وخارج الكنيسة؟ حاشا ( على حد قول بولس الرسول)، لا فائدة من تقديم أي هدايا في أي شيء إذا كنا نعامل الآخرين بجفاء وغُربة وظُلم خارج جدران الكنيسة في باقي الأوقات. نحن مع الله في كل شيء أو ضدّه في كل شيء. لا مكان للفتور!.
لا يمكن خداع الله بالمظاهر والطقوس الخارجية، فهو يرى القلب وسلوكنا اليومي.. هو فاحص القلوب والكُلى.
لذلك… اذْهَبُوا وَتَعَلَّمُوا مَا معنى: إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً (متى 13:9).
إن ﷲ يهتم بطريقة معاملتنا للآخرين أكثر من عدد الطقوس الدينية التي نمارسها. إنه يفضّل رحمة لا ذبيحة، وحفنة من الأخلاق العملية فوق الطقوس. قد يبدو غريباً أن نقرأ بأن ﷲ لا يرغب بالذبائح لأنه هو الذي أسَّس نظام الذبائح في المقام الأول، لكن لا يوجد تناقض، ولئن كان صحيحاً أنه هو من أمَرَ الناس أن يأتوا بالذبائح والتقدمات، فإنه لم يقصد أن تحلَّ هذه مكان العدل واللطف وجميع (ثمار الروح) من أفعال الْعَدْلِ وَالْحَقِّ أو غيرها التي هي أَفْضَلُ عِنْدَ الرَّبِّ مِنَ الذَّبِيحَةِ (أمثال 3:21).
فكيف والأحوال انحدرت إلى هذا الدرك الموجع، تكسر خُبزك بعد؟!
يتحدث بولس في أعمال الرسل (24: 16) إلى الحاكم الروماني فيليكس قائلاً:
” لِذلِكَ أَنَا أَيْضًا أُدَرِّبُ نَفْسِي لِيَكُونَ لِي دَائِماً ضَمِيرٌ بِلاَ عَثْرَةٍ مِنْ نَحْوِ اللهِ وَالنَّاسِ.”
من ضمن الأشياء التي كان يتدرب عليها بولس، هي أن يحمل ضميراً نقياً بلا عثرة تجاه الله والناس. وعلى نقيضه، نجد أن البعض الآخر ممن تبعوا أو يتبعون طريقاً غير هذا فيما يخص الضمير. لنقرأ لهم من تيموثاوس الأولى (4: 1- 2).
” وَلكِنَّ الرُّوحَ يَقُولُ صَرِيحاً: إِنَّهُ فِي الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ يَرْتَدُّ قَوْمٌ عَنِ الإِيمَانِ، تَابِعِينَ أَرْوَاحاً مُضِلَّةً وَتَعَالِيمَ شَيَاطِينَ، فِي رِيَاءِ أَقْوَال كَاذِبَةٍ، مَوْسُومَةً ضَمَائِرُهُمْ،”…
على عكس الضمير النقي، هناك الضمير الموسوم. فهذا هو الضمير الأبتر غير القادر على الشعور لأنه موسوم.. هو الضمير الفاتر المخدر المُرتخي، غير المبالي، مثله مثل قلب الإنسان صاحب هذا الضمير. ومع ذلك، فلم يكن هذا هو ضمير بولس، ولا يمكن أن يكون هذا هو ضمير إنسان يسير في علاقة مع إله حي. فعندما نسير معه، لا يمكن لشيء أن يبقى ميتاً، بل يُقام. فاتّباعه وعمل مشيئته سيعطي الضمير أو القلب حياة ويمكن للإنسان أن يسير معه فقط بضمير يقظ. نعود هنا لبولس الذي لم يسمَ ضميره لمواجهة الألم والمعارضة، بل على العكس، درب نفسه ليكون له ضميراً نظيفاً وبشكل دائم، بلا أي عثرة أو ارتخاء يُمكن أن يجعله فاتر الشعور.. في منطقة وسطى هي أقرب إلى النار من الجنّة. فما كرز به بولس عاشه أيضاً. لقد كان يدرب نفسه كي يمتلك ضميراً بلا عثرة وقلباً نقياً نحو الله والناس. ليكن لنا أيضاً نفس الفكر، أن ندرب أنفسنا كذلك ليكون لنا نفس الضمير الحي، ونفس القلب النقي بلا عثرة نحو الله والناس.
هناك مثل مصري يقول: أسمع كلامك أصدقك، أشوف أمورك أستعجب!
والآن.. ماذا عساني أصدّق منك بعد.. الجانب المُضيء أم المُظلم ؟؟؟
تنحَّ جانباً يا ذات النفْسَيْنْ أياً كنت ومن تراه يهتم بهويتك الحقيقية. اكف العالم شرَّكَ وكفاك تسبباً بالعِثار لأخوتك لأنك ستُوفي حساباً عسيراً عن كل هذا يوم الحساب.
الإيمان يحتاج إلى رجال.. رجال.. ليس بخصائصهم الذكورية طبعاً، لأنهم بهذا يتساوون مع الحيوانات. عندما نقول رجال، هذا يعني: أخلاق، شرف، جرأة، شجاعة، شهامة، قرارات حكيمة، ثبات أمام المحن بدون تشبُّث، لطف يُشبه لطف الله وتواضع مع المحبّة وعفاف الضمير… لن أُطيل التعداد لأنني لن أنتهي أبداً.
نـبـيـل طـنّـوس
September 13, 2018
بصليب المسيح تصالحنا مع الله
الصليب المقدّس هو أهم معالم مسيحيّتنا وعلامة جوهرية لإيماننا. يكفينا فخراً أن نعلم أنه عنوان خلاصنا البشري.
الصليب حكايةُ خلاصٍ دخل الله من خلالها لعالمنا وحوله لسماء ثانية. ( لأنّه هكذا أحبّ الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كلّ من يؤمن به ). ما معناه، هو أن يسوع المسيح قدّم ذاته فداءً عن البشر ( أحبائه ) وهذه التقدمة المقدّسة، أعادت العلاقةَ المتينة بين الله والإنسان بعدما خسرها جرّاءَ الخطيئة الأصلية ( معصية الله والانفصال عنه ). لم تكن هذه الخطة الإلهية بالأمر السهل، بل كانت لحظاتٍ قلقة منذ فجر التاريخ صاحبتِ الإنسانَ حتى مجيء ابن الله في الجسد وبالرغم من صعوبة ورهبة الموقف الذي رافق المسيح وهو يصلي في بستان الزيتون “يا أبتاه، أبعد عنّي هذه الكأس، أبعد عنّي هذه الساعة ” ورهبته، إلا أنّ الحياة الكامنة “مُر الكأس” كانت هي طريق النصر والمجد والثمر الكثير “كحبة الحنطة التي وقعت في الأرض وماتت فأعطت ثمراً كثيراً”. هكذا، ذاق الإنسان طعم ثمرة الخلاص عندما جعل يسوعُ من جسده ذبيحة لخلاصنا. وهو، أي المسيح، من تألّم على الصليب حتّى يلدَ الحياةَ الجديدةَ لبشريةٍ جديدةٍ ومتجدِّدة على الدوام محوِّلاً من خلالها حياةَ الحزن إلى الفرح، والكآبة إلى أمل، واليأس إلى رجاء، والخطيئة إلى نعمة، والموت إلى حياة. هكذا تحول الصليب من علامة ذل وعار إلى عزٍّ وافتخار، من علامة عقاب وشرْ إلى ينابيع خير ونِعمْ وقداسة، من حمل ثقيل إلى رجاء يُبشّر بالراحة، من أداة عذاب إلى سلام وعزاء، من درب مُخيف ومجهول إلى وضوح وأمان، من موت مُشين إلى حياة مُترعة بالظفر، من هلاكٍ للجاهلين إلى حكمة للمؤمنين ورمز للكرامة والمجد الذي لا تقربه الخطايا.
يدعونا إيماننا المسيحي للافتخار بصليب مُخلصنا الذي تحوّلَ إلى نهرٍ من القداسةٍ ينهل منه كلّ مؤمن يقترب ويلامس خشبة الصليب بورعٍ وخشوعٍ وإكرام، كأنه وشمُ إيمان مقدَّس ومكمِّل لجميع الخيرات السماوية. خيرات اللِه الذي يغفر ضعفنا البشريّ ويهب كلّ إنسانٍ القوّةَ والنعمةَ المتدفقتين من آلامِ ابنِه الوحيدِ يسوعَ المسيحِ الحاضرِ دائماً في حياةِ المؤمنين وحياةِ الكنيسةِ. نحن أبناء الإيمانِ والخلاصِ نلنا النعمةَ والخلاصَ وصار الصليبُ ملازمًا لنا في تصرّفاتنا وتحرّكاتنا اليوميّة في ذهابنا وإيابنا، ( نقول باسم الآب والابن والروح القدس ). فبهذه الإشارة إيمانٌ مطلَق بالثالوث القدّوس من جهة، وبحقيقة تجسُّدِ المسيحِ وموتِه وقيامتِه من جهة أخرى.
أهم ما نقرأه في الكتاب المقدس قصة صلب ربنا وإلهنا يسوعَ المسيحِ وموتِه. حادثةٌ إلهية إذا جاز التعبير. هكذا كانت من البداية وعاشت مع التاريخ حتى هذا اليوم وستبقى، خصوصاً من قِبَل الجماعاتِ المسيحيّة، بدايةً بالجماعةِ المسيحيّةِ الأولى التي واكبت الحدث الأعظم على مر العصور حتى يومنا هذا.. وستبقى، إذا لا خلاص لأحد بدونها.. أبداً.
لماذا لا نحملَ صليبَنا ونتبَعَهُ بفرحٍ وتهليل، بصبر ورجاء، وهذه الدعوةَ هي للمؤمنين باسمه والموسومين بعلامة صليبه فالصليب عندَنا نحنُ هوَ حكمةُ الله ورمزُ الحياةِ الجديدةِ، التي جاء بها السيد المسيح. ( أتيتُ لتكون لهم الحياة أوفر ). من أجلنا صلّى يسوعُ إلى الأب قائلاً ( أحمدك يا أبي ربَّ السماء وأسألك أن تحفظ من وهبتهم لي من الشرّ والشرّير ). إذن نحنُ أبناءُ الحياةِ… ليكن صليبُ الربِّ علامةَ رجاءٍ لنا في عالمِ سيطَرَ عليهِ اليأسُ والإحباطُ والشكّ بسببِ الانجرافِ وراء المراكز والملذّات والشهوات الرديئة وترك الله والابتعادِ عنه والرغبة في كل شيء ما عداه!.
في الصليبِ الذي شرّفه يسوعَ المسيح تحقَّقتَ ( قوّةُ اللهِ ) في مشروع الخلاص وصار الصليبُ علامة الانتصارَ على الخطيئةِ والشرّ. لذا من الضرورة بمكان أن يموت المؤمن عن شهوات الجسد والخطيئة كي يثمر ثمار الأعمال الصالحة التي تليق به للوصول إلى طريق البرّ والملكوت.
إعلم أخي القارئ، أن صليبنا هو جوهر إيمان، ولا يوجد إثنان عاقلان يختلفان حول هذه الحقيقة الساطعة سطوع الشمس في رائعة النهار، فالمسيحيون المنتشرون في جميع أصقاع المعمورة، وإن اختلفوا في الطقوس والأزمنة الطقسية، يتّفقون بقوّة وإيمان خارق حول جوهر صلب يسوع المسيح وحقيقته وأن هذه الحقيقة هي علامة خلاص وبها صار الرسل يكرزون أينما كان بحسب دعوة المسيح : ( اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس وأنا باقٍ معكم إلى المنتهى ). هكذا كانت حادثة الصلب إلى يوم الإرسال. تحول الصليب من أداة عذاب وموت وإعدام إلى أداة حياة وقيامة ونمو لحياة المحبة في قلوب المؤمنين لعيش النصر والافتخار محتملين الآلام والمشقات بشكرٍ وفرح. الصليب جوهر الإيمانِ المسيحيِّ القائمِ على العزِّ والافتخار والمجد لصليب الرب يسوع المسيح ( أما أنا فأفتخر بصليب ربّي يسوع المسيح ) إذن صار الصليب ليس افتخاراً فحسب، بل أيضاً صلاةَ التأبينِ والتوبة ولا نعني بالشرّ الإمتناع عن الشرّ فقط، إنّما قبول َ الصليب وحملَه واتّباعَ المسيح.
إذا كنا كالملائكة بدون الصليب لا نقترب خطوًة واحدًة من المسيح، بل نتغرّب عنه في نسك وصوٍم وصلوات تزيد العجرفة، وتجعلُ سطوةَ الكبرياء أعظم في حياتنا، لأننا لا نرى، في أثناءِ هذه الممارسات الدنيوية في كل يوم، خطايانا، لأن كل ما سنراه هو ( بِرَّنا الذاتيّ الباطل ) الذي يحجبُ عنّا خفايا القلب. أمواتٌ نحن من دون أن نرى، تحت ستار التقوى الكاذبة من صوٍم وصلاة وعبادة ووو. نحن أمواتٌ بالذنوب والخطايا. طريقُ التوبةِ يبدأ عند مرحلة الصفح عن الأعداء والمسيئين إلينا والصلاةِ من أجلهم كقول الرب يسوع المسيح في عظته على الجبل ( صلوا من أجل الذين يسيئون إليكم وباركوا لاعِنيكم ). ليس سهلاً ممارسة عمل بهذه الصعوبة، هذا إذا لم أقل مستحيل… لكن، إن نظرنا إلى ما علّمنا إيّاه الربّ يسوع في الصلاة الربّانية ( اغفرْ لنا كما نحن نغفر).. عندما نطلب مغفرة ذنوبنا لا بدّ لنا من أن نغفر نحن للمسيئين إلينا، فيظهر المقياس الثاني الذي علّمنا إياه المسيح وهو ( أنّنا إذا لم نغفرْ للناس زلاّتِهم، لا يغفر لنا الآب السماوي زلاتِنا ). إذاً علينا نبذُ الكراهيةِ والحقدِ والعنف والابتعاد عنهم طالبين درب المسامحةِ والمصالحةِ وجَعْلِ صلاتَنا مقبولةً لدىّ الله حيث نصير قادرين بقوة الصليب المحيي على مواجهة التجاربٍ والمحنِ والصعاب وتنقية وتطهير أرواحنا ونفوسنا وأجسادنا ( بالكامل ) وطلب الروح القدس الذي يقودنا فعلياً إلى درب الصليب الذي هو دربُ الصلاةِ ودربُ التوبةِ، دربُ الرجاءِ والسلام، دربُ الإيمان والنور، الدرب الذي يمنحنا ( بمحبة مجانية ) الحياة الأبدية بحسب كلمة الله الحيّة والفاعلة في أنبيائه وقدّيسيه. يسوع مات ( بشرياً ) على الصليب ودفن في القبر كحبة الحنطة التي طوتها الأرضُ وماتت لتُعطي ثماراً كثيرة. هكذا يسوع أخوتي صُلب وقام ليُعطينا فيه الحياة لأنه رب الحياة. في كل مرة نتفاعل مع تلك القوة التي تكتنـفنا، نكون بحالة قبول للحق الذي نستشفه في كلمة الله لنا. آمين
نـبـيـل طـنّـوس
September 11, 2018
عادات وفتاوى جاهلة
درجت العادة في الأونة الأخيرة، أن يتحفنا البعض بعادات وتقاليد وفتاوى لبعض الجهات التي لا تهمّنا .. لا ضمناً ولا مضموناً…
هناك الكثير من الأمور الحلوة التي يُمكن أن نتعرّف عليها ونلتقي حولها، وهي فعلاً جميلة، منوعة ولها (طعمة).
عندما أفتح صفحة الأصدقاء (فيس بوك)، يهمّني أن أعلم أنهم بخير. كما يهمّني أن أشاطرهم الضحك على بعض الأمور المسلية، أو ربما رحلة قاموا بها، بعض الحكم والعبر والقصص الجميلة، أو حتى الصلاة لأجل هذا أو ذاك من أخوة لنا يحترقون، يموتون، أو يتعرضون لحوادث مؤلمة الخ. أيضاً يهمني أن أعرف ما يحدث في القرن الواحد والعشرين … نعم ( القرن الواحد والعشرون) هل سمع به أحدٌ ما؟! فبالرغم مما وصل إليه العالم، لا يزال هناك من يفتح فمه مندهشاً أمام أشياء أقل من عادية، لا تحتوي على أي شيء سوى التفاهات، الجنس، التخلف، العرافة والسحر، فتاوى شيطانية… نعم.. هناك اكتشافات مهمة، هناك أخبار تعني الكثير من المجتمعات الراقية التي تستحق وجودها في زمن لم يعد فيه أي شيء مُستحيل. وبدل أن نشكر الله على ما نحن فيه في زمن (النعمة هذا)، يُمطروننا بقصص البهائم التي يحق لها شرعاً أن تداعب أعضائها بأي شيء، وكيف لأنثى أن تُرضع سائق التاكسي، ومتى يحلّ الدخول عليها وركوبها، ومت (يجحّشها) ذكرٌ بعد طلاقها، وكيف يُضاجع الرجل الأولاد والحيوانات، وما هي فضائح هذه الفنانة أو تلك، وغير ذلك من أمور شيطانيّة مكانها جَهَنَّم هي ومن يتكلم عنها…
حُباً بالله … أرحمونا.. أرحموناااااااا من ( تخلّفكم ) المُستفحل في زمن العلم والعلوم!. كلنا درسنا في نفس الكتب ونعلم تماماً كيف كان هذا وكيف تمّ كل شيء ومع من كانت البداية وبأي طريقة ولأي سبب… شخصياً لا أرغب بمعرفة المزيد عن جهلة لا يستحقون حتى التواجد بين البشر والتاريخ يخجل بهم. ( معليش ).. أراني في كل مرّة أنوّه بأمور لا يجدر أن تكون موجودة أصلاً. فإذا بها تشغل الجميع، تقريباً، كي لا أظلم البعض. صدقوني نحن نعرفها حق المعرفة .. لكن لا نريدها في حياتنا يا جماعة الخير.. نأنف منها.. تُقرفُنا.. تُمرضُنا !!! وإن كان الأمر يهم أياً كان فليُشاهد تلك القنوات أو المواقع المتخلّفة لوحده دون أن يُشركنا بها (عملوا معروف)!. لا يهمني أبداً في كل مرّة أفتح فيها الفيس بوك، فيطالعني العشرات من المواضيع المقزّزة التي لا تُشبه البشر ولا الحضارة بشيء!!!
من جهة ثانية، وهنا أخاطب الأذكياء وكل من يهمّه أمر الحوار المسيحي مع أي كان. أنا أطمئنك عزيزي أنك حتى ولو وجدت من يُحادثَك ويُماشيك بعض الطريق، هو لا يُحِبُّكَ، ولن يُحِبُّكَ حتى ولو عُدت إلى بطن أمّك مرة جديدة.. فطبَّ نفساً وقُرَّ عيناً. لا بل كُن على ثقة أنه يكرهك. إبتعد عنه أفضل لك ولكل العالم واتقِ شرّه. في كل الأحوال، هو يتحضّر بالعدد والعتاد لمحو ذكرك من هذا العالم… لا تُحاول ولا تُتعب قلبك فهم مفطورون على الكره والإرهاب.. من كان يحبّك، لن تحتاج لأن تُحاوره أبداً، سيأتيك لوحده وبكل محبّة، يتقرّب منك حبًّاً بالتعايش السليم بين المُجتمعات الراقية، وفيما عدا ذلك ( إنسَ )… لقد طال أذاهم أرجاء المعمورة ألا يكفيك هذا الدليل القاطع لوحده؟!
لنكن أكثر جمالاً. الله جميل ويحب الجمال. ومن لحق برُكبنا يا ألف أهلاً وسهلاً به ومرحباً، وغير ذلك ( كمين مرّة سامحونا ) نحن لا نريد. أحب من لا يحبّني ؟ بصراحة أنا لا أكره أحداً وأفضل أن أذكرهم بصلاتي ( من بعيد ) وأترك لله أن يفعل ما يراه مناسباً للجميع. أمّا بالنسبة للأشياء الأخرى فأنا أراها عقيمة عقم الصخور ويجدُر بي أن أنفض غُبار نعليَّ منها لأنها لا تُريدني. ومن لا يُريدني لا يهمني أبداً أن أعرف عنه شيئاً ولا أن أرى شكله حتى.
سامحوني.. لشدّة ما نرى ونسمع، وَجُبَ التنويه…
نـبـيـل طــنّـوس
September 1, 2018
ما هي وزناتي التي وهبني إياها الله؟
ما هي وزناتي التي وهبني إياها الله؟.
من الأمور الهامة التي ينبغي أن يتميز بها الشخص المدبر والمسؤول عن الخدمة وسط آخرين، هي قدرته على اكتشاف المواهب. لذلك أحببتُ أن نتحدث اليوم عن “المدبر واكتشافه للوزنات”.
في الكنيسة، نحن نؤمن أن لكل واحد منا موهبة قد أعطيت له من الله وذلك لكي تكون الكنيسة التي هي جسد المسيح كاملة وقوية، ففي الكنيسة لا يوجد إنسان غير نافع لملكوت السموات بشكل أو بآخر. فكل إنسان يسمح له الرب أن يكون ضمن عُمّال حقله الرحب، لابد أن تكون له رسالة محددة وعلينا أن نكتشف هذه الرسالة أو (الموهبة). إذاً، كل إنسان له موهبة، وهذه الموهبة هي مُهداة له من الرب نفسه ولا غنى عنها، ولا بُد من مُراعاتها والعمل بها وعليها، لأنها تكمل رسالة باقي الأعضاء في الجسد الواحد.
وعن ذلك يكتب بولس الرسول في رسالته الأولى لأهل كورنثوس قائلاً: ولكن هذه كلها يعملها الروح الواحد بنفسه قاسماً لكل واحد بمفرده كما يرى وحسب مشيئته. فكما أن الجسد هو واحد وله أعضاء كثيرة وكل أعضاء الجسد بالرغم من تعدّدها، هي تابعة لجسد واحد، كذلك هي حالنا مع المسيح أيضاً، لأننا جميعنا بروح واحد أيضاً اعتمدنا إلى جسد واحد يهوداً كنا أم يونانيين، عبيداً أم أحرار وجميعنا سُقينا روحاً واحداً فإن الجسد أيضاً ليس عضواً واحداً بل مجموعة أعضاء كما أشرت آنفاً (1كو 12 : 11 – 13 ).
الكتاب المقدس يقدم لنا أمثلة كثيرة لشخصيات متعددة أستخدم الرب وزناتهم جميعاً بالرغم من اختلاف شخصياتهم وتفاوت مستوياتهم الإجتماعية وقدراتهم العلمية. كما يتحدث الكتاب المقدس عن العديد من أنواع المواهب وهي تزيد عن 21 موهبة.. فالله أستخدم وزنات البسطاء كعاموس النبي مثلاً، الذي كان جانياً للجميز، كما أستخدم الصيادين البسطاء وصيرهم تلاميذاً له .. أيضاً أستخدم مواهب بولس الرسول الذي كان على جانب كبير من الثقافة، (دون أن ننسى رتبته في الأمبراطوريّة الرومانية) والتي كانت محصورة بشريحة خاصة من المجتمع (الحر الراقي)، يعني الناس المُتعلمين في عصره، كذلك يوصي بولس الرسول تلميذه ” فلهذا السبب أذكرك أن تضرم الموهبة التي فيك بوضع يدي لأن الله لم يعطنا روحَ الفشل بل روح القوة والمحبة والنصح” ( 2 تي 1 : 6 – 7 ).
نعود إذن لنُميط اللثام عن كيفية اكتشاف المدبر لهذه المواهب فيمن يخدمون معه؟ كيف يُنميها بحسب مشيئة الله؟ وكيف يتجنب السلبيات التي تظهر أثناء التعامل مع مواهب الآخرين؟ وكيف يوصلها إلى أمام الرب؟. هذه كلها أمور هامة جداً، أحببت أن أتحدث عنها بشيء من الوضوح المُختصَر والمُبسّط…
كيف نكتشف مواهبنا ومواهب الآخرين ؟
كبداية: علينا أن نراعي ما يلي:
روح الصلاة : على المدبر أن يولي هذا الموضوع اهتماماً خاصاً، ويطلب من الرب أن يُعلمه بوزنات من يعملون معه لكي يكون أمينا في استثمارها بحب مشيئة الرب، لأن طلب اكتشاف الموهبة أو الرسالة هو طلب يحب الله أن يسمعه منا. فالخادم الأمين لا يحتاج أن يسأل فقط من أجل اختيار الطريق (أي نوع من الخدمة)، بل أيضاً يحتاج أن يطلب من أجل أن يكشف له الرب الوزنات التي أعطاها له ولكل ابن من أبناءه.
أيضاً على الخادم أن يطلب دائماً من الرب قائلاً: ( ماذا تريد مني يا رب بشأن هؤلاء الأخوة المؤمنين ) ؟ فأنا أؤمن يا سيد أن لك قصد في كلِّ واحدٍ، أرِني هذ القصد بحكمتك؟ هكذا كان لسان حال بولس الرسول حينما كان يسأل (ماذا تريد يا رب أن أفعل)؟ هل أعود لأخدم الأمة اليهودية ؟ أم أذهب للبرية ؟ أم أنزل للكرازة بين الأمم؟.
كلُّ هذا، يجب أن يكون بروح الاتضاع والتجرّد، ويكون الأساس هو الشعور بأن الفضل يعود دائماً وأبداً إلى الرب وحده.
الإتكال على نعمة الروح القدس : لم يكن بطرس الرسول قبل حلول الروح القدس يتصور أن تصل ثمار خدمته إلى هذا الحد ليكسب بعظته في يوم الخمسين ثلاثة آلاف نفس دُفعةً واحدة، ولا أن يكتب رسائل تحمل كل هذه القوة الروحية. ولكن هي نعمة الروح القدس التي تعمل في كل إنسان لتمنحه مواهب ووزنات لا يتصورها أو يتوقعها عقله البشري، وهذا ما جعل بطرس كارزاً للإنجيل ومكّنه من أن يكسب نفوساً كثيرة للرب في ذلك اليوم المُبارك.
طاعة الإيمان وقبول العمل : علينا أن نفهم أن الله يستخدم كل من يسلم فكره وحياته بروح طاعة الإيمان. فالكتاب المُقدس يحدثنا عن كثيرين طلب منهم الرب رسالة محددة. البعض اعتذر بسبب الإحساس بصغر النفس أو الدونيّة أو ربما عدم الإستحقاق وهرب تماماً كما فعل موسى النبي قائلاً “لست أنا بصاحب كلام منذ أمس ولا أول من أمس” (خر 4 : 10) وذلك بالرغم من أن الرب كان يُعدّ موسى لهذه المهمة لمدة 80 سنة، وعندما أصر الرب أن يذهب موسى، أطاع هذا الأخير وصار قائداً ناجحاً.
جديّة السلوك : لكي نكتشف مواهبنا نحتاج أيضاً أن نسلك بجدية في الخدمة، فيونان عندما أطاع ودخل الى مدينة نينوى ونادى أهلها، (آمن أهل نينوى بالله ونادوا بصوم ولبسوا مسوحاً من كبيرهم إلى صغيرهم). يونان 3 : 5. لذلك يجب أن ننتبه إلى أن الهروب والإعتذار والشعور بالنقص والخوف من الفشل أو استعمال مواهب ليست لنا، كلها أشياء تعطل الإنسان عن اكتشاف المواهب التي يمنحها الرب لأولاده.
أنهي الكلام بالقول أن المدبر يصلي ويدعو للخدمة، والخادم يعتمد بدوره على نعمة وعطية الروح القدس فيُطيع ويسلك بجدية. وهكذا، يستخدم الرب مواهب ووزنات جميع المؤمنين السالكين (بحسب مشيئة) الرب.