• Background Image

    News & Updates

August 9, 2018

الأنا.. صراعها، مشاكلها وانعكاساتها

الأنا.. صراعها، مشاكلها وانعكاساتها.
Energie Lipide .
بعض التغيير بين الحين والآخر يكون نافعاً… من وحي الإنجيل المقدّس، نحن لا نستطيع أن نخدم سيدين في آن واحد. نعم، فالأمر أخطر وأسوأ بكثير بالنسبة إلى (الأنا المسكين) إذ عليه أن يخدم ثلاثة أسياد مُتسلطين، ونراه يُتعب نفسه للتوفيق بينهم. هذه المطالب متناقضة دائماً، ومن سابع المستحيلات التوفيق بينها، فلا غرابة إذن أن يفشل دائماً هذا (الأنا) في مهماته، فيتبعثر فيها دون وعي في إجهادٍ غير مفهوم… هؤلاء المستبدون الثلاثة هم العالم الخارجي، والأنا الأعلى، والآخر. وحين نعاين ما يبذله الأنا من جهود ليعدل بين الثلاثة معاً، أو بالأحرى ليطيعهم جميعاً هنا من الضروري أن نُجسّم الأنا، ونمنحه كياناً مستقلاً بذاته، لا عجب وهو يشعر بأنه واقع تحت الضغط من نواح ثلاث، وهو عرضة لثلاثة أخطار متباينة وعليه إطاعتها، وفي حال تضايقه، يتولد لديه الحصر والصمت الإنفرادي. هذا الوضع ينشأ أصلا عن تجارب الإدراك التي تُفضي إلى حرب داخلية صعبة ، فهو مدعوّ إلى تمثيل مطالب العالم الخارجي، غير أنه يحرص مع ذلك على أن يبقى خادماً وفيّا للآخر، وعليه مُعايشته في تفاهم ووفاق أو تعلّق (مُصطنع طبعاً) ، وأن يجتذب إليه طاقته الليبيدية. مسكين، فكثيرا ما يرى نفسه مضطراً، وهو الذي يتولى تأمين الإتصال بين الآخر والواقع، إلى التستّر على الأوامر اللاّشعورية الصادرة عن الآخر بتبريرات لا واعية أو لا شعورية، وإلى التخفيف من حدة المجابهة بين الآخر والواقع، وإلى سلوك طريق الرّيّاء الدبلوماسي والتظاهر باعتباره الإجباري للواقع، حتى وإن أبدى الآخر عناداً وتمرّداً. من جهة أخرى، فان (الأنا الأعلى) المُستبد ما ينفكّ يراقبه ويرصد جميع حركاته وسكناته، ويفرض عليه قواعد معينة لسلوكه غير الُمكترث بالصعاب التي يقيمها في وجهه الآخر والعالم الخارجي. وإن اتفق أن عصى (الأنا الأدنى أوامر الأنا الأعلى) عاقبه هذا الأخير بما يفرضه عليه من مشاعر أليمة بالدونية والذنب، فيُترجمها الضعيف بعشوائية مؤذية لنفسه وللآخرين… على هذا النحو يكافح الأنا، الواقع تحت ضغط الآخر والرازح تحت عبوديّة وتسلط الأنا الأعلى والمصدود من قبل الواقع طبعاً لأنه خلل في الشخصيّة. يُكافح لإنجاز مهمته الإقتصادية و لإعادة الإنسجام بين مختلف القوى الفاعلة فيه والمؤثرات الواقعة عليه. ومن هنا نفهم لماذا يجد البعض نفسه مكرهاً في كثير من الأحيان على أن يصرخ ( كفى ) لقد تعبت.. حياتي ليست سهلة. معه حق .. مبدئياً، هذا لأنه مسؤول والسبب هو أنه باستطاعته أن يُقرّر، وأمام الإرادة لا شيء مستحيل. أليست الإرادة هي ما يأخذنا إلى الحريّة ؟ وطبعاً العكس صحيح… القاعدة تقول: أنا صاحب القرار بكل ما يخصّني. تذكّروا (الأنا العُليا).

هنا يبدأ ما يُعرف ( باللاشعور ) وقيمته أو بالعكس أي (الخلل)…

الناس جميعاً أو مُعظمهم، يتفقون على اكساب كل ما هو نفسي كسمة عامة تعبر عن الذات الداخلية، وهذا طبعاً أمر غريب وغير مُتّزن. هذه البصمة الفريدة، التي يصعب جداً وصفها، بل هي لا تحتاج إلى وصف، حالة نطلق عليها أسم (الوعي). فكل ما هو واعٍ هو نفسي، وعلى العكس أيضاً، كل ما هو نفسي هو واع. وهل ينكر المنطق حقيقة هي على هذا القدر من البداهة ؟ مع ذلك، فلنقر بأن هذا الأسلوب في النظر قلما أثبت صحته لنا في ماهية الحياة النفسية إذ أن التقصّي العلمي يقف هنا حسيراً، ولا يجد للخروج من هذا المأزق سبيلاً يُرتجى، بحسب (سيغموند فرويد)، فكيف ننكر أن الظواهر النفسية خاضعة خضوعا كبيراً للظواهر الجسديُة، وأنها على عكس ذلك تؤثر فيها تأثيراً قويا؟ إن أرتج الأمر على الفكر البشري، فقد أرتج عليه يقيناً في هذه المسألة، وقد وجد الفلاسفة أنفسهم مضطرين، لإيجاد مخرجاً، أو إلى الإقرار على الأقل بوجود مسارات (عضوية) موازية للمسارات النفسيّة ومرتبطة بها ارتباطاً يصعب تفسيره… لقد وجد التحليل النفسي مخرجاً من هذه المصاعب، إذ رفض رفضاً قاطعاً إن يدمج كل ما هو نفسي في ما هو واعي. كلا، فليس الوعي ماهية الحياة النفسية، وإنما هو صفة من صفاتها وحسب، وهذه الصفة غير ثابتة، غيابُها أكثر بكثير من حضورها، ولكن بقي علينا أيضاً أن ندحض اعتراضاً لا واعياً تفرضه ظروف معيّة ناتجة عن تربية خاطئة أم أحداث مؤسفة في العمر الذي يسبق الوعي، أي قبل (الخمس إلى سبع سنوات). فرغم ما ذكرته من أمور، يزعم فريق من الناس أنه لا يجدر أن نعدل عن الرأي المُقر بالتساهل بين النفسي والواعي، إذ أن المسارات النفسيّة التي تُسمى لا واعية قد لا تكون إلا مسارات عضوية موازية للمسارات النفسية التي تُفضي إلى بناء شخصيّات مضطربة ومريضة جداً، غالباً ما تكون منطوية أو مستقلّة لأسباب تروقها وحدها ويصعب فهمها، وكأنّ القضية التي نروم حلها لم تعد إلا مسألة تعريف لا فائدة منها أبداً أو يطول علاجها جداً وبأماكن خاصة جداً… فهل من باب الصدفة المحضة أننا لم نصل إلى إعطاء الحياة النفسية نظرية جامعة متماسكة إلا بعد أن غيّرنا تعريفها؟

فوق هذا علينا أن نتجنّب الإعتقاد بأن التحليل النفسي هو الذي جدد نظرية الحياة النفسية هذه. فقد كان مفهوم اللاشعور يطرق منذ أمد طويل باب علم النفس، وكما كانت الفلسفة تتزاوج مع الأدب، نرى أن العلم لم يكن يعرف كيف يستخدمه أو يقترن به… لقد تبنّى التحليل النفسي هذه الفكرة، وأولاها كل عنايته وأرفقها بمضمون جديد… لقد نجحت البحوث التحليليّة النفسيّة بإيجاد خصائص للحياة النفسيّة اللاواعية لم تكن مُتوقعة قبل ذلك، وكشفت بعض القوانين التي تتحكم فيها. ولسنا نقصد من ذلك أن سمة الوعي قد فقدت من قيمتها في نظرنا. فما زال الوعي هو النور الوحيد الذي يسطع لنا ويهدينا في ظلمات الحياة النفسية. ولما كانت معرفتنا ذات طبيعة (خاصة جداً)، فان المهمات العلمية في مجال علم النفس ستتمثل في ترجمة المسارات اللاواعية إلى مسارات واعية حتى نسد بذلك ثغرات إدراكنا الواعي كي لا تُفضي بنا إلى تصرفات ناشزة ينجم عنها الكثير من الإعاقات الداخلية، فتخرج إلى العلن بشكل يصعُب فهمه من الكثيرين ممن هم حولنا، فتكون الخسائر كبيرة للحالة نفسها وللمُحيطين على حد سواء.
نـبـيـل طـنّـوس