• Background Image

    سياطُ الألم تهوي لتُمزّقَ بوقْعها نياط القلب لا الجسد فحسب

    October 4, 2018

October 4, 2018

سياطُ الألم تهوي لتُمزّقَ بوقْعها نياط القلب لا الجسد فحسب

سياطُ الألم تهوي لتُمزّقَ بوقْعها نياط القلب لا الجسد فحسب. تُهوّمُ في الفضاء كدوائر همجيّة شرسة، تسرق ما بقي من قوّةٍ تحت أنفاس مُتقطّعة تزحف خارج الفم كلهاثِ حشرجةٍ تُفيضُ بيدها القاهرةِ روحً من تسكن فيه، تسرقها قسراً إلى الخارج.. ترميها فوق تُرابٍ مُخيفٍ من الوجع الذي لا يرحم.. تمدُّ مخالبها المشوّهة لتطال بها ما بقي من تماسُكٍ يلهجُ به الكيان كله.. وهو.. هو يقرع أبواء السماء مستغيثاً وصارخاً أن .. كفى .. كفى .. أنا لم أعد أقاوم.. رميْتُ بعضَ أسلحةٍ هزيلة، ربما كانت بعدُ باقية هنا أو هناك. هي أيضاً غابت جراء عواصف الضرب الوحشيّ.

وفجأة يتلاشى كلُّ شيء.. يغيبَ الحُبُّ عن الوجود فاقداً وعيهُ تحت سيطرة شرسةٍ لا يوقفها شيء إلاّ حبٌ آخر يُشابهها. وأين هو يا رب؟

تُرى هل يسمعُ الحبُّ نداء الحُبِّ ويهرع لنجدته؟ من لي بأجنحة الزمن أستقرض منها بعضَ هُنيهاتٍ.. لا أطلب أكثر.. أتضرّع إليها أن تُعيرَني القليل من عقارب الوقت الهارب.. ألتمُسها فقط لكي أُرسلَ طائري إلى مساكن الصلاة القابعة فوق.. وبعد فوق.. عند تلك الأعتاب البيضاء التي تُحاكي بياضَ الصُبحِ قُبيل أن تلثمَ ثغره أشعةُ الشمس. هناك حيث يُمكن للتعب أن يلتقط أنفاسه المُتعبة ليصرخ طلباً للرحمة… الرحمة! كم تبدو غريبة هذه الرحمة الآن. بالأمس كنا معاً.. أحبُّها وتعشفني.. نلهو معاً بجمعِ أزاهر الحبّ ونُرسلها أينما كان لا فرق، المُهم أن تصل وتلمس قلوبَ من يستحقّها. حالة عُذريّة نقيّة.. جدُّ خاصة، لا يفهمها من تلطّخت يداه بأوحال هذا العالم البغيض الذي أراه يقفز أمامي كأبالسة الهاوية. أنا أكرههْ يا رب.. لم أعد أريد السكن في هذا العالم.. لا.. لم أعدْ أحتاج البقاء حيث لا يوجد إلا البُغض والرياء وأنواع عديدة لا تُحصى من السموم التي لم أسمع بها إلا بفعلِ وجودي على الأرض… هذه الأرض التي وُجدت كي يُعطى تُرابها أبكار الجمال فيركض ويلعب لاهياً في جنائنٍ بديعة من صُنعِ يديك الخلاّقة يا رب، فإذا بها تتحوّلً إلى بؤرِ فسادٍ مُقزّزة، تفوح منها أبخرةٌ كريهة الرائحة ذات منظر مُرعب. تبدّل الوجود من جميل إلى بغيض! يا الله كم أن خليقتك الحلوة تغيّرت. أصبحت غريبة تسكن في مغاورٍ سوداء قاتمة لا تُشبه ما أعددته لها. ارتـدت أثمالَ القُبحِ الكالحة، تفوح منها روائحُ الفساد بدل عطورِ اللُبان. سيطر الوجع على كل ما هو جميل فسقط الحُب يتلوّى تحت جوْرِ الخُبثِ المؤذية. كم هو بعيد ذلك الحُب الآن… كم أشتاقه… ولكم أصبح غريباً. أنا لم أتعرف عليه حينما التقيتُ به! كان يضعُ قناعاً غريباً، يلهج بلغةٍ لا أفهما، يحمل سوطاً يسحب وراءه شُهبً من نار ويهوي به فوق كياني أنا!! لماذا أنا؟! بالأمس كنا نلعب معاً في نفس المروج التي لم تعد هي أيضاً هنا.. لهفي عليها.. هي أيضاً ضاعت ولا أعلم أين.. رأيتُها تحمل ثياب السواد وترحلُ بعيداً. ناديتُها.. لم تسمع.. مستنقعات هذا العالم المُقرفة ذهبت بسمعها وبصرها.. أطاحت بصوابها فراحت تضربني هي أيضاً.. أنا! ولماذا أناااا؟ ما هي الخطيئة التي فعلتها كي أستحق كل هذا. ثيابي جميلة زاهية.. نظيفة وناصعة هي، لا زالت على نقائها كما وضعْتها عليّ يدُ القُدرة التي جاءت بي إلى تلك المروج الجميلة.. لااااااااااا.. لا.. أنا لم أتغيّر. لم أتبدّل. لم أعرف أن الألم يمكن أن يكون قاسياً لهذه الدرجة المُخيفة التي تسرقُ من الأرواح أرواحها.

جفَّ ريقي يا رب، ولم يعُد لساني الحطبيُّ يُتقن نُطقَ كلمات الوجع الخرساء. هي أيضاً ذهبت بما بقي من لُهاثٍ مُتعب باقٍ هنا أو هناك لا فرق.. وما الهم.. فالحقيقة الوحيدة التي سيطرت على كل شيء، هي أنه لم يعد من أحد أسمه أنا. ها هو دمي المُهراق يُخبر قصة كلٍ ما حدثْ.. فلتخرسَ إذن جميعُ كلمات العالم.

نـبـيـل طـنّـوس

0 Comments

Leave A Comment

Leave a Reply