January 21, 2019
حبيبتي المحبّة لا تموت
حبيبتي المحبة لا تموت
وهوى من ظننته لن يغيب. يا إله الحبّ كله أنت تعلم بأنني لم أُرد هذه النهاية الموجعة. حاولت بعطشٍ صادق لا تحمله إلا النفوسُ التي أُعطي لها من فوق أن تهب نفسها.. مجاناً، ولم أنتظر المُقابل .. لأنه عندما تهبُ الروحُ روحها فوق كل شيء ورغم كل شيء.. يقف كلُّ شيء خاشعاً وهو يحاول فهم سرها العلوي النازل معها، هو أيضاً من فوق. ربّما رأيته أمامي يبكي بلهفة محترقة وهو يقول: أنا هنا.. لا أريدُ أي شيء لأجلي أنا أيضاً، بل على العكس، ما أريده هو لك أنت. مثلُك أنا.. جئتُ أعطي لا لآخذ… لم أفهمه.. ولم يفهم لغتي العلوية فعجز عن محو مَشاهدَ الألم التي أمامه! نعم.. حاولت كثيراً ولم أفهم. فهل وصل ذلك الزمان الذي فيه تهبُ الذاتُ ذاتها فتُسحق فقط لأنها تتكلم لغة الحُب الموصي بها من الله نفسه !!! أفهمته أن لغتي سهلة، طَيّبَة وهادئة، لا تطلب شيئاً لنفسها فلماذا العجب إذن؟ كان يعلم جيداً من علمني لغة الحب هذه. كان يعرف صاحبها.. يعرفه جيّداً ويعرف أن جزاء حُبِّه كان الموت. أنا مثله أيضاً لا أستحق… ما يُصيبني أنا الآن يُشبه مُعلّمي الحبيب صاحب تلك اللغة الدافئة التي تذوب في أوردة الحب فتُخجله بنقائها وعُذوبتها. تلك التي جمعتُ لأجلها كل ما حباني به من مواهب كي أُتقنها وأزرعها بنفوس جميع من يضعهم هو في حياتي، فأُقدم لهم مجاناً ما وصلني مجاناً.. والنتيجة كانت أنني حصلت على نفس الألم أنا أيضاً! لماذا؟!!! في ذلك الزمان كان العالم يسبح ببؤر الجهل والغباء والتعصّب الأعمى. فصلب العالم بكل هذه الصفات المؤذية من حمل إليه السماء هديّة ووضعها بين يديه ولم يَر منها إلا ما أراد أن يراه بعينيه الأرضيّتين، فقتل عمداً دون رحمة أو سبب يدعوه للقتل! نعم العالم قتل الحب، وها هو يموت كل يوم بنفس الأساليب وعلى أيدِ عقول لا زالت تُعاني من نفس الكبت الأعمى. هكذا صَلبَ العالم بكل هذه الصفات المؤذية من حمل إليه السماء هديّة ووضعها بين يديه فلم يَر منها إلا ما أراد أن يراه بعينيه الأرضيّتين فقتل دون رحمة أو سبب يدعوه للقتل. نعم العالم قتل الحب، وها هو يموت كل يوم بنفس الأساليب وعلى أيدِ عقول لا زالت تُعاني من تبعيات الماضي التي شقَّت صدري بجورها القاتل… أنا حاولت مرات كثيرة.. لكني أيضاً لم أفهم كيف يكون مُمكناً عدم فهم لغة الحب مع أنها لا تحتاج إلا إلى الحب لتُـفهَم !!! لا.. لن أستجديها.. إن أرادت الرحيل فلترحل إذن…
الأوقات الجميلة والخاصة التي تُشبه المحبّة وترتدي ألوانها المُحيّية هي فقط من يجمع الناس. الأوقات التي كانت تبدو مُعافاة، هي أيضاً بكتْ ولم تفهم قيمة وجودها عندما كان الحوار يتكلم ويتكلم.. نظرتُ إليها راجياً من غير كلام ” كوني معي.. أحتاجك بقوة الظمآن كي أوصل محبّتي الحلوة.. فأنا لا أريدها أن تسقط .. ساعديني.. لا يُمكنني تركها هكذا. أنجديني حُباً بالحب الذي أوجدك أنت أيضاً.. لماذا نخسر دائماً كل ما هو جميل في حياتنا؟!!! لم أعد أحتمل وأنت أيضاً لا تستحقين وقواكِ بدأت بالتراخي فإلى متى وحدك تحتملين؟!”. لم تستطع الكلام فأهديتُها منديلاً تلتقط به دموعها المنكسرة.. وضاع منديلي في أبـدٍ من الندم الرمادي…
يومها، استيقظ الصباح تعِباً يشعر ببرد غريب موحش. راح يجرُّ نظره مُتباطئاً فوق أشلاء البارحة المنطرحة فوضوياً في كل مكان، وعندما وصل إلى المكان الذي تداعت فوقه المحبّة، رفع عينيه نحو السماء صارخاً: لماذا… لم يُجبْه أحد. لا عجب.. جميعهم رحلوا في تلك الليلة التي أغلقت وراءها أبواباً السماء العابسة غضباً من تلك النفوس المشوّهة التي اصطبغت كلها بدماء بريئة… وحدها كانت تعرف كيف اسلمت المحبّة آخر أنفاسها بسكون ملائكي هادىء. وكيف انغلقت أجفانها الجميلة كوردة قصفها هزيمُ رعد هذا العالم.. لكنها.. ظلت خرساء واجمة ولم تجرؤ على الكلام وكأنها تخاف على ما بقي من روح في قلب مخضّب بالمرض والدم…
هنا قالت نفسي لنفسي بعد قرار وتفكير عظيمين: لا.. المحبّة تعرف أنها لا ولن تموت يوماً.. ستبقى كما هي.. سترفلُ بأثواب نجيعها الزكيّة الحُلوة… الأمواتُ.. هم فقط.. لا يدرون أنهم راحلون…
نـبـيـل طـنّـوس