September 13, 2018
بصليب المسيح تصالحنا مع الله
الصليب المقدّس هو أهم معالم مسيحيّتنا وعلامة جوهرية لإيماننا. يكفينا فخراً أن نعلم أنه عنوان خلاصنا البشري.
الصليب حكايةُ خلاصٍ دخل الله من خلالها لعالمنا وحوله لسماء ثانية. ( لأنّه هكذا أحبّ الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كلّ من يؤمن به ). ما معناه، هو أن يسوع المسيح قدّم ذاته فداءً عن البشر ( أحبائه ) وهذه التقدمة المقدّسة، أعادت العلاقةَ المتينة بين الله والإنسان بعدما خسرها جرّاءَ الخطيئة الأصلية ( معصية الله والانفصال عنه ). لم تكن هذه الخطة الإلهية بالأمر السهل، بل كانت لحظاتٍ قلقة منذ فجر التاريخ صاحبتِ الإنسانَ حتى مجيء ابن الله في الجسد وبالرغم من صعوبة ورهبة الموقف الذي رافق المسيح وهو يصلي في بستان الزيتون “يا أبتاه، أبعد عنّي هذه الكأس، أبعد عنّي هذه الساعة ” ورهبته، إلا أنّ الحياة الكامنة “مُر الكأس” كانت هي طريق النصر والمجد والثمر الكثير “كحبة الحنطة التي وقعت في الأرض وماتت فأعطت ثمراً كثيراً”. هكذا، ذاق الإنسان طعم ثمرة الخلاص عندما جعل يسوعُ من جسده ذبيحة لخلاصنا. وهو، أي المسيح، من تألّم على الصليب حتّى يلدَ الحياةَ الجديدةَ لبشريةٍ جديدةٍ ومتجدِّدة على الدوام محوِّلاً من خلالها حياةَ الحزن إلى الفرح، والكآبة إلى أمل، واليأس إلى رجاء، والخطيئة إلى نعمة، والموت إلى حياة. هكذا تحول الصليب من علامة ذل وعار إلى عزٍّ وافتخار، من علامة عقاب وشرْ إلى ينابيع خير ونِعمْ وقداسة، من حمل ثقيل إلى رجاء يُبشّر بالراحة، من أداة عذاب إلى سلام وعزاء، من درب مُخيف ومجهول إلى وضوح وأمان، من موت مُشين إلى حياة مُترعة بالظفر، من هلاكٍ للجاهلين إلى حكمة للمؤمنين ورمز للكرامة والمجد الذي لا تقربه الخطايا.
يدعونا إيماننا المسيحي للافتخار بصليب مُخلصنا الذي تحوّلَ إلى نهرٍ من القداسةٍ ينهل منه كلّ مؤمن يقترب ويلامس خشبة الصليب بورعٍ وخشوعٍ وإكرام، كأنه وشمُ إيمان مقدَّس ومكمِّل لجميع الخيرات السماوية. خيرات اللِه الذي يغفر ضعفنا البشريّ ويهب كلّ إنسانٍ القوّةَ والنعمةَ المتدفقتين من آلامِ ابنِه الوحيدِ يسوعَ المسيحِ الحاضرِ دائماً في حياةِ المؤمنين وحياةِ الكنيسةِ. نحن أبناء الإيمانِ والخلاصِ نلنا النعمةَ والخلاصَ وصار الصليبُ ملازمًا لنا في تصرّفاتنا وتحرّكاتنا اليوميّة في ذهابنا وإيابنا، ( نقول باسم الآب والابن والروح القدس ). فبهذه الإشارة إيمانٌ مطلَق بالثالوث القدّوس من جهة، وبحقيقة تجسُّدِ المسيحِ وموتِه وقيامتِه من جهة أخرى.
أهم ما نقرأه في الكتاب المقدس قصة صلب ربنا وإلهنا يسوعَ المسيحِ وموتِه. حادثةٌ إلهية إذا جاز التعبير. هكذا كانت من البداية وعاشت مع التاريخ حتى هذا اليوم وستبقى، خصوصاً من قِبَل الجماعاتِ المسيحيّة، بدايةً بالجماعةِ المسيحيّةِ الأولى التي واكبت الحدث الأعظم على مر العصور حتى يومنا هذا.. وستبقى، إذا لا خلاص لأحد بدونها.. أبداً.
لماذا لا نحملَ صليبَنا ونتبَعَهُ بفرحٍ وتهليل، بصبر ورجاء، وهذه الدعوةَ هي للمؤمنين باسمه والموسومين بعلامة صليبه فالصليب عندَنا نحنُ هوَ حكمةُ الله ورمزُ الحياةِ الجديدةِ، التي جاء بها السيد المسيح. ( أتيتُ لتكون لهم الحياة أوفر ). من أجلنا صلّى يسوعُ إلى الأب قائلاً ( أحمدك يا أبي ربَّ السماء وأسألك أن تحفظ من وهبتهم لي من الشرّ والشرّير ). إذن نحنُ أبناءُ الحياةِ… ليكن صليبُ الربِّ علامةَ رجاءٍ لنا في عالمِ سيطَرَ عليهِ اليأسُ والإحباطُ والشكّ بسببِ الانجرافِ وراء المراكز والملذّات والشهوات الرديئة وترك الله والابتعادِ عنه والرغبة في كل شيء ما عداه!.
في الصليبِ الذي شرّفه يسوعَ المسيح تحقَّقتَ ( قوّةُ اللهِ ) في مشروع الخلاص وصار الصليبُ علامة الانتصارَ على الخطيئةِ والشرّ. لذا من الضرورة بمكان أن يموت المؤمن عن شهوات الجسد والخطيئة كي يثمر ثمار الأعمال الصالحة التي تليق به للوصول إلى طريق البرّ والملكوت.
إعلم أخي القارئ، أن صليبنا هو جوهر إيمان، ولا يوجد إثنان عاقلان يختلفان حول هذه الحقيقة الساطعة سطوع الشمس في رائعة النهار، فالمسيحيون المنتشرون في جميع أصقاع المعمورة، وإن اختلفوا في الطقوس والأزمنة الطقسية، يتّفقون بقوّة وإيمان خارق حول جوهر صلب يسوع المسيح وحقيقته وأن هذه الحقيقة هي علامة خلاص وبها صار الرسل يكرزون أينما كان بحسب دعوة المسيح : ( اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس وأنا باقٍ معكم إلى المنتهى ). هكذا كانت حادثة الصلب إلى يوم الإرسال. تحول الصليب من أداة عذاب وموت وإعدام إلى أداة حياة وقيامة ونمو لحياة المحبة في قلوب المؤمنين لعيش النصر والافتخار محتملين الآلام والمشقات بشكرٍ وفرح. الصليب جوهر الإيمانِ المسيحيِّ القائمِ على العزِّ والافتخار والمجد لصليب الرب يسوع المسيح ( أما أنا فأفتخر بصليب ربّي يسوع المسيح ) إذن صار الصليب ليس افتخاراً فحسب، بل أيضاً صلاةَ التأبينِ والتوبة ولا نعني بالشرّ الإمتناع عن الشرّ فقط، إنّما قبول َ الصليب وحملَه واتّباعَ المسيح.
إذا كنا كالملائكة بدون الصليب لا نقترب خطوًة واحدًة من المسيح، بل نتغرّب عنه في نسك وصوٍم وصلوات تزيد العجرفة، وتجعلُ سطوةَ الكبرياء أعظم في حياتنا، لأننا لا نرى، في أثناءِ هذه الممارسات الدنيوية في كل يوم، خطايانا، لأن كل ما سنراه هو ( بِرَّنا الذاتيّ الباطل ) الذي يحجبُ عنّا خفايا القلب. أمواتٌ نحن من دون أن نرى، تحت ستار التقوى الكاذبة من صوٍم وصلاة وعبادة ووو. نحن أمواتٌ بالذنوب والخطايا. طريقُ التوبةِ يبدأ عند مرحلة الصفح عن الأعداء والمسيئين إلينا والصلاةِ من أجلهم كقول الرب يسوع المسيح في عظته على الجبل ( صلوا من أجل الذين يسيئون إليكم وباركوا لاعِنيكم ). ليس سهلاً ممارسة عمل بهذه الصعوبة، هذا إذا لم أقل مستحيل… لكن، إن نظرنا إلى ما علّمنا إيّاه الربّ يسوع في الصلاة الربّانية ( اغفرْ لنا كما نحن نغفر).. عندما نطلب مغفرة ذنوبنا لا بدّ لنا من أن نغفر نحن للمسيئين إلينا، فيظهر المقياس الثاني الذي علّمنا إياه المسيح وهو ( أنّنا إذا لم نغفرْ للناس زلاّتِهم، لا يغفر لنا الآب السماوي زلاتِنا ). إذاً علينا نبذُ الكراهيةِ والحقدِ والعنف والابتعاد عنهم طالبين درب المسامحةِ والمصالحةِ وجَعْلِ صلاتَنا مقبولةً لدىّ الله حيث نصير قادرين بقوة الصليب المحيي على مواجهة التجاربٍ والمحنِ والصعاب وتنقية وتطهير أرواحنا ونفوسنا وأجسادنا ( بالكامل ) وطلب الروح القدس الذي يقودنا فعلياً إلى درب الصليب الذي هو دربُ الصلاةِ ودربُ التوبةِ، دربُ الرجاءِ والسلام، دربُ الإيمان والنور، الدرب الذي يمنحنا ( بمحبة مجانية ) الحياة الأبدية بحسب كلمة الله الحيّة والفاعلة في أنبيائه وقدّيسيه. يسوع مات ( بشرياً ) على الصليب ودفن في القبر كحبة الحنطة التي طوتها الأرضُ وماتت لتُعطي ثماراً كثيرة. هكذا يسوع أخوتي صُلب وقام ليُعطينا فيه الحياة لأنه رب الحياة. في كل مرة نتفاعل مع تلك القوة التي تكتنـفنا، نكون بحالة قبول للحق الذي نستشفه في كلمة الله لنا. آمين
نـبـيـل طـنّـوس
0 Comments
Leave A Comment