• Background Image

    إن علمتم هذا

    September 20, 2018

September 20, 2018

إن علمتم هذا

إِنْ عَلِمْتُمْ هَذَا فَطُوبَاكُمْ إِنْ عَمِلْتُمُوهُ (يوحنا 17:13).

من البديهي أنه يتوجّب على الذين يعلِّمون ويعظون بالإيمان المسيحي، أن يمارسوا ما يعظون به بأمانة بالغة. السبب، هو أنه يقع على عاتقهم مهمّة أن يقدّموا للعالم مثالاً حياً عن الحق لأن مشيئة ﷲ في كلمته يجب أن تصير جسداً في حياة شعبه.

عادةً يتأثّر هذا العالم الراحل (بكل ما فيه) بالأعمال أكثر من تأثّره بالكلام.. على قول المثل: حياتك صارخة إلاّ أنني لا أستطيع أن أسمع ما تقول!.

أخبروا يوماً عن أحد المبشّرين أنه عندما كان يعظ كان الناس يتمنّون أن لا يغادر المنبر، لكن عندما كان بعيداً عن المنبر تمنّوا لو أنه لم يرتقِ إليه قط…

نعم أيها القارئ العزيز.. لا شيء يُقفل الشفاه كنمط الحياة. حياة الإنسان هي مشروع رسالة سماوية كاملة، لأن الحياة المقدسة هي أفضل وسيلة للشهادة عن ﷲ في عالم الواقع. تحمل الكلمات ثِقلاً عندما تكون مدعومة من حياة الشخص، فيصير الكلمة جسداً فينا قبل أن يصير قوة من خلالنا. إذن إن نحن وعظنا بالأمر الصحيح ولم نحيا به، نصير كمَن يُخبر الأكاذيب عن ﷲ.

طبعاً نحن نعلم أن ملء الكمال وُجد فقط في (الرَّب يسوع المسيح)، هو الكامل وحده في عمل كل ما وعظ وعلّم به. لم يوجد أي تناقض بين رسالته وبين حياته. عندما سأله اليهود، من أنت؟ أجابهم قائلاً، أَنَا مِنَ الْبَدْءِ مَا أُكَلِّمُكُمْ أَيْضاً بِهِ (يوحنا 25:8). كانت سيرته مطابِقة لكلامه.. ببساطة هكذا يكون التعليم والمعلمون.. عليهم الاقتداء بسيّدهم، أو على الأقل يتشبّهون به قدر المُستطاع بما أنّهم ما برحوا يرزحون تحت عبء ثوب بشريتهم الضعيف.

في نفس السياق وضمن التعاليم أذكر ما يلي:

نسمع أصوات أنبياء العهد القديم ضد الناس الذين مارسوا كل الطقوس الصحيحة ومع هذا خَدعوا وظلموا أقرباءهم، فقال لهم أشعيا النبي: أن ﷲ قد كره محرقاتهم وأعيادهم طالما ظلّوا يظلمون المساكين واليتامى والأرامل (أشعيا 10:1-17)، وأكمل كلامه لهم، أن رغبة ﷲ الثابتة تتمثَّل في معاملة عُمّالهم بعدل، وإطعام الجائع وكِساء الفقير (أشعياء 6:58، 7)، وما لم تكن حياتهم مستقيمة فكأنهم يقدمون رأس كلب أو دم خنزير (أشعيا 3:66). يعني المسؤول مُطالب بالاستقامة ومن الله مباشرةً.

هذا وطلب عاموس من الشعب أن يتوقّفوا عن ممارسة شعائرهم الدينية لأن ﷲ مستمرٌ بكراهيته لهذه الطقوس حتى يتدفَّق العدل والرحمة مثل سَيلٍ عظيم (عاموس 21:5-24). أيضاً حذّر ميخا من أن ﷲ يريد الحق أكثر من الطقوس، حقّ الإنصاف والعدل والرحمة والتواضع (ميخا 6:6-8).

لقد سَخِرَ الرَّب يسوع من الفريّسيين في أيامه لأنهم تظاهروا بالتديّن بصلوات طويلة بينما طردوا الأرامل من منازلهم (متى 14:23)، فكانوا يحرصون على إعطاء ﷲ عشراً من نعناع بستانهم، لكن هذا لا يمكنه أبداً أن يحلَّ محل عمل العدل والإيمان (متى 23:23)، فمن غير المُجدي بالنسبة لنا أن نأتي بتقدماتنا للرَّب إذا كان لأخينا شكوى علينا (متى 24:5)، لأن التقدمة تُقبل فقط بعد إصلاح السوء. (إذهب وصالح أخاك ثم عُد وقرّب قربانك) متى 4 العدد 24. وهل هناك من يعتقد أن حضور الكنيسة بانتظام يكفيه لأن يخدُم كغطاء لعدم أمانته في شغله خلال الأسبوع وخارج الكنيسة؟ حاشا ( على حد قول بولس الرسول)، لا فائدة من تقديم أي هدايا في أي شيء إذا كنا نعامل الآخرين بجفاء وغُربة وظُلم خارج جدران الكنيسة في باقي الأوقات. نحن مع الله في كل شيء أو ضدّه في كل شيء. لا مكان للفتور!.

لا يمكن خداع الله بالمظاهر والطقوس الخارجية، فهو يرى القلب وسلوكنا اليومي.. هو فاحص القلوب والكُلى.

لذلك… اذْهَبُوا وَتَعَلَّمُوا مَا معنى: إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً (متى 13:9).

إن ﷲ يهتم بطريقة معاملتنا للآخرين أكثر من عدد الطقوس الدينية التي نمارسها. إنه يفضّل رحمة لا ذبيحة، وحفنة من الأخلاق العملية فوق الطقوس. قد يبدو غريباً أن نقرأ بأن ﷲ لا يرغب بالذبائح لأنه هو الذي أسَّس نظام الذبائح في المقام الأول، لكن لا يوجد تناقض، ولئن كان صحيحاً أنه هو من أمَرَ الناس أن يأتوا بالذبائح والتقدمات، فإنه لم يقصد أن تحلَّ هذه مكان العدل واللطف وجميع (ثمار الروح) من أفعال الْعَدْلِ وَالْحَقِّ أو غيرها التي هي أَفْضَلُ عِنْدَ الرَّبِّ مِنَ الذَّبِيحَةِ (أمثال 3:21).

فكيف والأحوال انحدرت إلى هذا الدرك الموجع، تكسر خُبزك بعد؟!

يتحدث بولس في أعمال الرسل (24: 16) إلى الحاكم الروماني فيليكس قائلاً:

” لِذلِكَ أَنَا أَيْضًا أُدَرِّبُ نَفْسِي لِيَكُونَ لِي دَائِماً ضَمِيرٌ بِلاَ عَثْرَةٍ مِنْ نَحْوِ اللهِ وَالنَّاسِ.”

من ضمن الأشياء التي كان يتدرب عليها بولس، هي أن يحمل ضميراً نقياً بلا عثرة تجاه الله والناس. وعلى نقيضه، نجد أن البعض الآخر ممن تبعوا أو يتبعون طريقاً غير هذا فيما يخص الضمير. لنقرأ لهم من تيموثاوس الأولى (4: 1- 2).

” وَلكِنَّ الرُّوحَ يَقُولُ صَرِيحاً: إِنَّهُ فِي الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ يَرْتَدُّ قَوْمٌ عَنِ الإِيمَانِ، تَابِعِينَ أَرْوَاحاً مُضِلَّةً وَتَعَالِيمَ شَيَاطِينَ، فِي رِيَاءِ أَقْوَال كَاذِبَةٍ، مَوْسُومَةً ضَمَائِرُهُمْ،”…

على عكس الضمير النقي، هناك الضمير الموسوم. فهذا هو الضمير الأبتر غير القادر على الشعور لأنه موسوم.. هو الضمير الفاتر المخدر المُرتخي، غير المبالي، مثله مثل قلب الإنسان صاحب هذا الضمير. ومع ذلك، فلم يكن هذا هو ضمير بولس، ولا يمكن أن يكون هذا هو ضمير إنسان يسير في علاقة مع إله حي. فعندما نسير معه، لا يمكن لشيء أن يبقى ميتاً، بل يُقام. فاتّباعه وعمل مشيئته سيعطي الضمير أو القلب حياة ويمكن للإنسان أن يسير معه فقط بضمير يقظ. نعود هنا لبولس الذي لم يسمَ ضميره لمواجهة الألم والمعارضة، بل على العكس، درب نفسه ليكون له ضميراً نظيفاً وبشكل دائم، بلا أي عثرة أو ارتخاء يُمكن أن يجعله فاتر الشعور.. في منطقة وسطى هي أقرب إلى النار من الجنّة. فما كرز به بولس عاشه أيضاً. لقد كان يدرب نفسه كي يمتلك ضميراً بلا عثرة وقلباً نقياً نحو الله والناس. ليكن لنا أيضاً نفس الفكر، أن ندرب أنفسنا كذلك ليكون لنا نفس الضمير الحي، ونفس القلب النقي بلا عثرة نحو الله والناس.

هناك مثل مصري يقول: أسمع كلامك أصدقك، أشوف أمورك أستعجب!

والآن.. ماذا عساني أصدّق منك بعد.. الجانب المُضيء أم المُظلم ؟؟؟

تنحَّ جانباً يا ذات النفْسَيْنْ أياً كنت ومن تراه يهتم بهويتك الحقيقية. اكف العالم شرَّكَ وكفاك تسبباً بالعِثار لأخوتك لأنك ستُوفي حساباً عسيراً عن كل هذا يوم الحساب.

الإيمان يحتاج إلى رجال.. رجال.. ليس بخصائصهم الذكورية طبعاً، لأنهم بهذا يتساوون مع الحيوانات. عندما نقول رجال، هذا يعني: أخلاق، شرف، جرأة، شجاعة، شهامة، قرارات حكيمة، ثبات أمام المحن بدون تشبُّث، لطف يُشبه لطف الله وتواضع مع المحبّة وعفاف الضمير… لن أُطيل التعداد لأنني لن أنتهي أبداً.

نـبـيـل طـنّـوس

1 Comment
  • الحنوش, September 27, 2018 Reply

    راءع كلمعتاد استاذ نبيل الرب يباركك


Leave A Comment

Leave a Reply